سورة النمل - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النمل)


        


{وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26)}
فإن قلت: من أين للهدهد التهدي إلى معرفة الله، ووجوب السجود له، وإنكار سجودهم للشمس وإضافته إلى الشيطان وتزيينه؟ قلت: لا يبعد أن يلهمه الله ذلك كما ألهمه وغيره من الطيور وسائر الحيوان المعارف اللطيفة التي لا يكاد العقلاء الرجاح العقول يهتدون لها، ومن أراد استقراء ذلك فعليه بكتاب الحيوان، خصوصاً في زمن نبيّ سخرت له الطيور وعلم منطقها، وجعل ذلك معجزة له. من قرأ بالتشديد أراد: {فصدّهم عن السبيل} لئلا يسجدوا فحذف الجار مع أن. ويجوز أن تكون (لا) مزيدة، ويكون المعنى: فهم لا يهتدون إلى أن يسجدوا. ومن قرأ بالتخفيف، فهو {ألا يسجدوا}. ألا للتنبيه، ويا حرف النداء، ومناداه محذوف، كما حذفه من قال:
أَلاَ يَا اسْلَمِي يَا دَارَ مَيٍّ عَلَى الْبِلَى ***
وفي حرف عبد الله وهي قراءة الأعمش: {هلا}، و {هلا}: بقلب الهمزتين هاء.
وعن عبد الله: {هلا تسجدون} بمعنى ألا تسجدون على الخطاب. وفي قراءة أبيّ: {ألا تسجدون لله الذي يخرج الخبء من السماء والأرض ويعلم سركم وما تعلنون}، وسمي المخبوء بالمصدر: وهو النبات والمطر وغيرهما مما خبأهُ عز وعلا من غيوبه. وقرئ: {الخب}، على تخفيف الهمزة بالحذف. والخبا، على تخفيفها بالقلب، وهي قراءة ابن مسعود ومالك بن دينار. ووجهها: أن تخرج على لغة من يقول في الوقف: هذا الخبو، رأيت الخبا، ومررت بالخبي، ثم أجري الوصل مجرى الوقف، لا على لغة من يقول: الكمأة والحمأة؛ لأنها ضعيفة مسترذلة. وقرئ: {يخفون ويعلنون} بالياء والتاء. وقيل: من أحطت إلى العظيم هو كلام الهدهد. وقيل: كلام رب العزة. وفي إخراج الخبء: أمارة على أنه من كلام الهدهد لهندسته ومعرفته الماء تحت الأرض، وذلك بإلهام من يخرج الخبء في السموات والأرض جلت قدرته ولطف علمه، ولا يكاد تخفى على ذي الفراسة النظار بنور الله مخائل كل مختص بصناعة أو فنّ من العلم في روائه ومنطقه وشمائله، ولهذا ورد: ما عمل عبد عملاً إلا ألقى الله عليه رداء عمله.
فإن قلت: أسجدة التلاوة واجبة في القراءتين جميعاً أم في إحداهما؟ قلت؛ هي واجبة فيهما جميعاً، لأنّ مواضع السجدة إما أمرٌ بها، أو مدحٌ لمن أتى بها، أو ذمٌ لمن تركها، وإحدى القراءتين أمر بالسجود، والأخرى ذم للتارك. وقد اتفق أبو حنيفة والشافعي رحمهما الله على أنّ سجدات القرآن أربع عشرة، وإنما اختلفا في سجدة ص: فهي عند أبي حنيفة سجدة تلاوة. وعند الشافعي: سجدة شكر. وفي سجدتي سورة الحج وما ذكره الزجاج من وجوب السجدة مع التخفيف دون التشديد، فغير مرجوع إليه.
فإن قلت: هل يفرق الواقف بين القراءتين؟ قلت: نعم إذا خفف وقف على {فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ} ثم ابتداء {أَلاَّ يَسْجُدُواْ}، وإن شاء وقف على (إلا) ثم ابتدأ {يَسْجُدُواْ} وإذا شدّد لم يقف إلا على {العرش العظيم}.
فإن قلت: كيف سوّى الهدهد بين عرش بلقيس وعرش الله في الوصف ب (العظيم)؟ قلت: بين الوصفين بون عظيم، لأنّ وصف عرشها بالعظم: تعظيم له بالإضافة إلى عروش أبناء جنسها من الملوك. ووصف عرش الله بالعظم: تعظيم له بالنسبة إلى سائر ما خلق من السموات والأرض. وقرئ: {العظيم} بالرفع.


{قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27) اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28)}
{سَنَنظُرُ} من النظر الذي هو التأمل والتصفح. وأراد: أصدقت أم كذبت، إلا أن {كُنتَ مِنَ الكاذبين} أبلغ، لأنه إذا كان معروفاً بالانخراط في سلك الكاذبين كان كاذباً لا محالة، وإذا كان كاذباً اتهم بالكذب فيما أخبر به فلم يوثق به، {تَوَلَّ عَنْهُمْ} تنح عنهم إلى مكان قريب تتوارى فيه، ليكون ما يقولونه بمسمع منك. و{يَرْجِعُونَ} من قوله تعالى: {يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إلى بَعْض القول} [سبأ: 31] يقال: دخل عليها من كوّة فألقى الكتاب إليها وتوارى في الكوّة.
فإن قلت: لم قال: فألقه إليهم، على لفظ الجمع؟ قلت: لأنه قال: وجدتها وقومها يسجدون للشمس، فقال: فألقه إلى الذين هذا دينهم، اهتماماً منه بأمر الدين، واشتغالاً به عن غيره. وبني الخطاب في الكتاب على لفظ الجمع لذلك.


{قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)}
{كَرِيمٌ} حسن مضمونة وما فيه، أو وصفته بالكرم، لأنه من عند ملك كريم أو مختوم. قال صلى الله عليه وسلم: «كرم الكتاب ختمه».
«وكان صلى الله عليه وسلم يكتب إلى العجم، فقيل له: إنهم لا يقبلون إلا كتاباً عليه خاتم، فاصطنع خاتماً» عن ابن المقفع: من كتب إلى أخيه كتاباً ولم يختمه فقد استخف به. وقيل: مصدّر ببسم الله الرحمن الرحيم {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم}: هو استئناف وتبيين لما أُلْقِيَ إليها، كأنها لما قالت: إني أُلْقِيَ إليّ كتاب كريم، قيل لها: ممن هو؟ وما هو؟ فقالت: إنه من سليمان وإنه: كيت وكيت.
وقرأ عبد الله: {وإنه من سليمان وإنه} عطفاً على: إني. وقرئ: {أنه من سليمان وأنه}، بالفتح على أنه بدل من كتاب، كأنه قيل: ألقى إليّ أنه من سليمان. ويجوز أن تريد: لأنه من سليمان ولأنه، كأنها عللت كرمه بكونه من سليمان، وتصديره باسم الله.
وقرأ أبيّ: {أنْ من سليمان وأنْ بسم الله}، على أن المفسرة. وأن في {أَلاَّ تَعْلُواْ} مفسرة أيضاً. لا تعلوا: لا تتكبروا كما يفعل الملوك.
وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما بالغين معجمة من الغلو: وهو مجاوزة الحد. يروى أنّ نسخة الكتاب من عبد الله سليمان بن داود إلى بلقيس ملكة سبأ: السلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فلا تعلوا عليّ وائتوني مسلمين، وكانت كتب الأنبياء عليهم السلام جملاً لا يطيلون ولا يكثرون، وطبع الكتاب بالمسك وختمه بخاتمه، فوجدها الهدهد راقدة في قصرها بمأرب، وكانت إذا رقدت غلقت الأبواب ووضعت المفاتيح تحت رأسها، فدخل من كوة وطرح الكتاب على نحرها وهي مستلقية. وقيل: نقرها فانتبهت فزعة. وقيل: أتاها والقادة والجنود حواليها، فرفرف ساعة والناس ينظرون حتى رفعت رأسها، فألقى الكتاب في حجرها، وكانت قارئة كاتبة عربية من نسل تبع بن شراحيل الحميري؛ فلما رأت الخاتم ارتعدت وخضعت، وقالت لقومها ما قالت: {مُسْلِمِينَ} منقادين أو مؤمنين.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10